خلافًا للسائد في الأشهر الأخيرة، تزاحمت المواقف الدولية على الساحة اللّبنانية عقب انفجار المرفأ، وفي ظل المساعدات اللّوجستية والدعم المادي والمعنوي تحرّرت بيروت نسبيًا من العزلة السياسية والخناق المالي الذي طوّقها في الفترة السابقة من قبل المجتمع الإقليمي والدولي.
فرنسا كانت السبّاقة، فـ “طحش” إلى حلبة المبارزة رئيسُها إيمانويل ماكرون الذي استعاض عن شعبيته المتأرجحة في بلاده بتطبيل لبناني عزفته -للمفارقة- فرقة “كشاف السيادة”، ما أثار حفيظة الرجل الفرنسي نفسه. ولم يكتفِ ماكرون بالجولة الفولكلورية الميدانية بل أتبعها بسيل من التغريدات تزامنًا مع انعقاد مؤتمر الدول المانحة وكان أبرزها قوله “يتحدّد الآن مستقبل لبنان”.
تركيا تلت فرنسا، وان بتمثيل من الدرجة الثانية عبر ارسال وفد برئاسة نائب الرئيس فؤاد أقطاي..
إذًا استدعى الانفجار المأساوي الذي لحق بيروت تغييرًا تكتيكيًا في تعاطي المجتمع الدولي مع لبنان خاصة من حيث كسر الحصار على المقاومة ودعوة حزب الله إلى اللّقاء مع القوى السياسية الذي جرى مع الرئيس الفرنسي في قصر الصنوبر واتصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره اللّبناني ميشال عون، كل هذه المؤشرات تعني أن ثمة هناك متغيرًا ما في المقاربة الدولية للأزمة اللبنانية.
فهل تكرّ سبحة المهتمين وتتوسع حلقة المنافسة على الساحة اللّبنانية وهل تحدث قنبلة المرفأ فجوة في جدار الحصار الاقتصادي والعزل السياسي أم أنّ مواقف الدول المانحة لا تعدو كونها دعمًا مؤقتًا وعابرًا؟
الإيجابية الدولية يُبنى عليها
اعتبر الكاتب السياسي غسان جواد أنّنا بحاجة إلى بعض الوقت لنفهم مدى عمق هذه المقاربة ومدى تغيير الاستراتيجية، مضيفًا “نستطيع القول بأن هذه الإيجابية الدولية يُبنى عليها من أجل إعادة إنتاج السلطة في لبنان ومن أجل معالجة الملفات المطروحة على الطاولة الآن لا سيما مع إعادة ملف الإعمار في بيروت وملف إعمار المرفأ، بالإضافة إلى ملف تكوين السلطة والشراكة الوطنية تحت مفهوم التوافق الوطني الذي دعا إليه الفرنسيون”.
وفي حديث لـ” أحوال” رأى جواد أن الدول لا تعمل وفق الجمعيات الخيرية بل لديها مصالح، قائلًا “في هذا الظرف وفي ظل الصراع الفرنسي التركي الروسي في ليبيا والجزائر وتونس، لن يُترك موقع لبنان على حوض المتوسط بهذه السهولة، وبالتالي المجتمع الدولي يقوم بمصالحه لكن نحن في المقابل نعمل في مكان ما على الاستفادة من هذا الجو الدولي لكي نحقق مصالح بلدنا”.
فرنسا تبحث عن دور في التسوية الإيرانية الأميركية
بدوره رأى الخبير في الشؤون العسكرية سمير حسن في دردشة مع” أحوال” أنّ الانفجار المأساوي هيّأ الفرصة للخروج من الأزمة وفتح ثغرة في جدار الاستعصاء السياسي وإعادة إنتاج تسوية على الأقل لوقف التدهور وفرملة الانهيار.
ولفت إلى أنّ الغرب كان ينتظر في الأسابيع الماضية فرصة مع قرب الانتخابات الأميركية للولاية الثانية للرئيس ترامب، مضيفًا: “المحاولات الغربية لتطبيق قانون قيصر أو تفعيل الحصار لم يكن مجديًا لذا بدأ الغرب يستشعر خطورة أن ينزلق لبنان إلى الفوضى وخطورة أن ينهار الكيان برمّته لذلك حاولوا استثمار الكارثة إيجابًا على الأقل كفرصة لعقد ما يشبه التسوية المؤقتة أو التهدئة”.
وعن زيارة الرئيس الفرنسي قال: “ينطبق عليها الواقعية فقد اكتشف ماكرون أنّ محاصرة المقاومة لم يعد لها أي نتائج جدية، وهو يعتقد أنّ بإمكان فرنسا أن تلعب دورًا كبيرًا على مستوى التسويات خاصة بين الإيراني والأميركي.
يُذكر أنّ الأمم المتحدة كانت قد أعلنت عن حاجة لبنان إلى أكثر من 100 مليون دولار للمساعدات العاجلة والإنسانية، مثل الغذاء والماء وإعادة إعمار البنى التحتية، وتعهدت الدول المانحة بتقديم مساعدات للبنان بقيمة ربع مليار يورو، خلال قمة عُقدت عبر الانترنت بسبب ظروف انتشار وباء كورونا.
فتعهّد الاتحاد الأوروبي بتقديم 63 مليون يورو، وقدّمت المملكة المتحدة مبلغ 25 مليون جنيه استرليني، وبلغ مجموع ما تعهدت به ألمانيا 11.5 مليون يورو.
وفي حين تعهدت سويسرا بمبلغ 4.38 مليون الدولار، والولايات المتحدة بـ15 مليون دولار، كشفت قطر أنّها ستقدم 50 مليون دولار والكويت 40 مليون دولار.
إلى ذلك وعدت فرنسا بتقديم مواد البناء والمساعدات الغذائية والطبية. كما أخذت اسبانيا على عاتقها ارسال القمح وإمدادات طبية.
نُهاد غنّام